هذا الحديث يجمع أمر الدين كله في عبارة واحدة ، وهي قوله (صلى الله عليه وسلم):
( الدين النصيحة )
فجعل الدين هو النصيحة ، كما جعل الحج هو عرفة ، إشارةً إلى عظم مكانها ، وعلو شأنها في ديننا الحنيف.
والنصيحة ليست فقط من الدين ، بل هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فإنهم قد بعثوا لينذروا قومهم من عذاب الله ، وليدعوهم إلى عبادة الله وحده وطاعته.
ومن مواقف النصح اللين الذى اتبعه (صلى الله عليه وسلم)
يروى أبو هريرة (رضي الله عنه فيقول :
بال أعرابيٌ في المسجد ، فثار إليه الناس ليقعوا به ، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
" ( دعوه ، وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء ، أو سجلا من ماء ؛ فإنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين ) "
وفي الحديث الذي بين أيدينا ، حدد النبي صلى الله عليه وسلم مواطن النصيحة ، وأول هذه المواطن:
*النصيحة لله ، وهناك معان كثيرة تندرج تحتها ، ومن أعظمها : الإخلاص لله تبارك وتعالى في الأعمال كلها,
و منها ايضاٌ: أن يديم العبد ذكر سيده ومولاه في أحواله وشؤونه ، فلا يزال لسانه رطبا من ذكر الله.
و معنى النصيحة: الاخلاص.
* و النصيحة لكتاب الله, أن تحسن تلاوته, و ان نتدبر ما فيه من معانى عظيمة, و تعمل بما فيه, و تعلمه للناس.
* و من معانى النصيحة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم),
تصديقه فيما أخبر به من الوحي ، والتسليم له في ذلك ، حتى وإن قصُر فهمنا عن إدراك بعض الحقائق التي جاءت في سنّته المطهّرة, انطلاقا من إيماننا العميق بأن كل ما جاء به إنما هو وحي من عند الله.
*اما النصيحة لأامة المسلمين, والمراد بهم العلماء والأمراء على السواء, فالعلماء هم أئمة الدين ، والأمراء هم أئمةٌ الدنيا.
فأما النصح للعلماء:
فيكون بتلقّي العلم عنهم ، والالتفاف حولهم ، ونشر مناقبهم بين الناس ، حتى تتعلّق قلوب الناس بهم، ومن النصح لهم : عدم تتبع أخطائهم وزلاتهم.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين فتكون بإعانتهم على القيام بما حمّلوا من أعباء الولاية ، وشد أزرهم على الحق ، وطاعتهم في المعروف.
* والموطن الرابع من مواطن النصيحة, عامة الناس ، وغاية ذلك أن تحب لهم ما تحب لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم في معاشهم ومعادهم ، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه ، وتذكّرهم به إذا نسوه ، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم ، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين.
فهذه هي مواطن النصيحة التي أرشدنا إليها النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فإذا عملنا بها حصل لنا الهدى والرشاد ، والتوفيق والسداد.