جاءت كلمة ( مصر ) في القرآن الكريم في خمسة مواضع هي
" وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَ&Ccl;كُمَا بِمِصْرَ بُيُوتا : يونس87ً "
و " وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ.. يوسف21 "
و" وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ : يوسف99 "
و" وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ.. 51 الزخرف "
وفي قوله تعالي في قصة موسي قال : " اهْبِطُوا مِصْرًا.. البقرة 61 "
وواضح أن كلمة " مصر" قد وردت في سياق قصتي يوسف وموسي إلا أن الأمر الذي
يستدعي إيضاحا هو قوله تعالي علي لسان موسي لقومه . " اهْبِطُوا مِصْرًا
فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ .. 61 البقرة "
فكلمة " مصر" هنا لا
تدل علي مصر الوطن وإنما تعني المدينة المتحضرة أي مدينة متحضرة في أي مكان
. ودليلنا أن كلمة " مصر" في الآية جاءت مفعولا به منصوبا وهي منونة "
مصرا " أي ليست ممنوعة من الصرف ، وفي موضع آخر يقول تعالي علي لسان يوسف "
وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ :99 يوسف " فجاءت الكلمة هنا
" مصر " تدل علي الوطن وهي مفعول به أيضا ومنصوب ولكن بدون تنوين لأنها
ممنوعة من الصرف حيث تدل علي( مصر) الوطن الأعجمي.
وهذه التفرقة اللغوية الدقيقة بين كلمة " مصر" في الآيتين توضح لنا أن كلمة "مصر" لها معنيان :
*معني الوطن الذي يعيش فيه المصريون،
وهذا هو المعني الذي ورد في القرآن ممنوعا من الصرف أي بدون تنوين، وذلك في أربعة مواضع.
* معني المدينة المتحضرة .
وفي القاموس في معاني كلمة مصر : " مصروا المكان تمصيرا جعلوه مصرا فتمصر "
ومصر أي المدينة التي تتميز عما حولها من بوادي. ونفهم ذلك من قولهم عن
عمر بن الخطاب أنه الذي " مصر الأمصار " أي " أنشأ الأمصار" أو أنه بعث
العمال أو الولاة علي "الأمصار" أي الولايات . وقد أطلقوا علي الكوفة
والبصرة لقب "المصران" مثني " مصر" . وقد بدأ التمدن في العالم ببناء المدن
في مصر لذا نحتت اللغة العربية كلمة مصر" لتدل بها علي قيام الدولة أو
المدينة المتحضرة التي تحيط بها البوادي .
وفي قصة يوسف قوله لإخوته
وهو في سلطانه في مصر. " وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ... يوسف 100 " أي
كان شرق مصر في ذلك الوقت رعويا بدويا .
وهكذا فإن موسي حين قال لقومه
"اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ :61 البقرة" تفيد أي
مدينة ولا تدل علي الوطن المصري علي وجه الخصوص.
وكلمة " مصر" بمعني
البلد المتمدن أو الدولة تعتبر اعترافا من اللغة العربية بقدم العمران
المصري والحضارة المصرية. فالعرب حين عرفوا النطق باللغة العربية استعاروا
كلمة " مصر " لتدل علي المدينة والحضارة ،ثم جاء القرآن فيما بعد يسجل هذا
المعني ويميزه بفارق لغوي دقيق حين يجعل كلمة " مصر" الوطن ممنوعة من الصرف
باعتبارها علما ـ وذلك في أربعة مواضع ، ثم تكون كلمة " مصر" الدالة علي
المدينة منونة في موضع وحيد في القرآن الكريم .