يعقد مجلس الخبراء الإيراني، وهو أحد المؤسسات الأقوى نفوذا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دورته نصف السنوية في طهران هذه الأيام.
ويتمتع هذا المجلس بسلطة تعيين وإقالة المرشد الأعلى للبلاد، وهو ما من شأنه أن يدفع للتوقع بأن نرى المرشد الأعلى يدافع عن سياساته أمام أعضاء هذا المجلس، بينما هم يقيمون أداءه في كل الأمور المتعلقة بالدولة والمسؤول عنها، والتي تتعلق بكل شيء تقريبا.
وفي الواقع، فإن وظائف وعضوية المجلس ليست ذات صلة إلى حد كبير بالسياسة في إيران، كما أن أعضاء المجلس بعيدون كل البعد عن أن يكونوا حذرين، وناقدين بشدة للمرشد الأعلى.
وهناك 86 عالم دين في هذا المجلس، وأغلبهم كبير جدا في السن، ويأخذون اجازة من كل الأنشطة الأخرى ليجتمعوا مرتين في العام بصفتهم الهيئة العليا للمجلس.
وبعض أعضاء هذا المجلس يعمل ممثلا للمرشد الأعلى في المحافظات، وهؤلاء من المعينين، والبعض الآخر من رجال الدين فقط، والبعض يشغل مناصب حكومية.
ويحتل حفل افتتاح الدورة الجديدة للمجلس والكلمات العامة التي تلقى فيه عناوين الأخبار في وسائل الإعلام المملوكة للدولة، ومع ذلك، فإن الغرض من عقد هذه الجلسات، سوى الظهور العلني لأعضائه، ليس واضحا.
كما أن المهام الوظيفية للمجلس يعتبرها البعض مهاما شاقة، لكن حجم العمل الفعلي للمجلس ضئيل جدا.
ووفقا للدستور الإيراني، يكلف مجلس الخبراء بمهمة اختيار المرشد الأعلى إذا توفي من يشغل هذا المنصب أو تمت إقالته.
وقد قام أعضاء المجلس بهذا الدور مرة واحدة فقط، وذلك حينما اجتمعوا فورا في أعقاب وفاة آية الله الخوميني ليختاروا آية الله على خامنئي خلفا له في عام 1989.
والمهمة الثانية لهذا المجلس هي الإشراف على أداء المرشد الأعلى للدولة الإسلامية وإقالته إذا "فشل في القيام بواجباته".
ويبدو هذا الدور وكأنه دور مهم للغاية، مع الأخذ في الاعتبار أن المرشد الأعلى ليس فقط الحاكم "المطلق"، وصاحب القول النهائي في كل شؤون الدولة، ولكنه أيضا يعين رؤساء بعض السلطات صاحبة أقوى نفوذ في الدولة الإيرانية.
ويشمل هذا تعيين قائد الحرس الثوري، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، ورئيس السلطة القضائية، ورؤساء العديد من المؤسسات الدينية شبه الرسمية والتي تتمتع بثراء كبير، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
"اختيار الشعب"وسارع مؤيدو النظام الإيراني إلى الإشارة إلى أن المرشد الأعلى هو اختيار الشعب لأن مجلس الخبراء اختير من قبل الشعب. ويعد الجزء الثاني من هذا الرأي صحيحا، حيث يجري انتخاب مجلس الخبراء كل ثماني سنوات.
وجاءت فكرة وجود خبراء للمرشد الأعلى في الأيام الأولى من الثورة الإيرانية عام 1979، حينما قدم المشرفون على صياغة الدستور الجديد صياغتهم الخاصة لآلية الرقابة والموازنة لإظهار أن المرشد الأعلى لا ينبغي مساءلته.
وحظى أول مرشد للجمهورية الإيرانية باحترام كبير لدرجة كانت تحول حتى دون توجيه أي انتقاد شديد له، ناهيك عن مسائلته.
ولا يتم فقط تعيين بعض أعضاء مجلس الخبراء المعينين من قبل المرشد الأعلى في مؤسسات أخرى، لكن من يعينهم المرشد أيضا في أحد المؤسسات النافذة، مثل مجلس صيانة الدستور، يقررون أيضا الشخصيات التي يحق لها الترشح في انتخابات مجلس الخبراء.
وكانت النتيجة النهائية هي وجود هيئة غير فاعلة من رجال الدين الذين لا يقومون بعمل شيء سوى مباركة سياسات وقرارات المرشد الأعلى.
ورجال الدين هؤلاء، وبينهم من يحظون بقدر أكبر من النفوذ والاحترام وهم الفقهاء، يفسرون بدرجات متفاوته الأسباب وراء ضرورة طاعة المرشد الأعلى وعدم مساءلته.
ويبرز هنا ما قاله آية الله مصباح اليزدي بأن "الضرر الناجم عن عصيان القائد العسكري ومساءلته يكون أقل بكثير مقارنة بالضرر الناجم عن الامتثال لقراراته الخاطئة، لأن العصيان يؤدي إلى الفوضى".
ووصف اليزدي المرشد الأعلى بأنه "شبه معصوم".
وأدلى المرشد الأعلى نفسه بدلوه في هذا الجدل، مؤكدا أنه "إذا فشل المرشد الأعلى في الوفاء بواجباته، فإنه يفقد مؤهلاته بشكل تلقائي".
قليل من المنتقدينكان اختراق مجلس الخبراء أولوية للإصلاحيين الإيرانيين في التسعينيات من القرن الماضي.
كان يأمل الإصلاحيون بأنه بمجرد نجاحهم في الدخول إلى المجلس، فإنه يمكنهم البدء في تسليط الضوء على سقطات المرشد الأعلى في اختياراته وأدائه، لكنهم منعوا جميعا من الترشح.
هناك حاليا أقل من خمسة أعضاء يمكن اعتبارهم من غير رجال الدين في المجلس، ومن بينهم الرئيس هاشمي رفسنجاني، والذي تم تهميشه من جانب زملائه العام الماضي حينما خسر منصب رئيس المجلس.
وحينما يجتمع المجلس، فإنه يعقد الاجتماعات في معظم الأحيان خلف الأبواب المغلقة، ولا يخسر الجمهور أي شيء لأنه بحسب علمنا لم يناقش على الإطلاق أي شيء مهم في هذه الجلسات.
وتكون التصريحات التي تصدر بالفعل عن المجلس متوقعة، مثل الإعلان عن جدول أعماله. وجدول الأعمال الخاص بالدورة الجارية هو اختيار لجنة من خمسة أعضاء لصياغة البيان الختامي لهذه الدورة.
ولم تتغير لغة أو لهجة هذه التصريحات منذ سنوات، وخاصة فيما يتعلق بالإشادة بالمرشد الأعلى.
لكن ما يميز بيانا عن آخر هو الإشارة إلى الأحداث الجارية التي تؤكد على الموقف الإيراني الرسمي إزاء القضايا المحلية والدولية.
وتنتهي الدورة التي تستمر ثلاثة أيام بزيارة إلى ضريح المرشد الأعلى السابق، وبرفع تقرير إلى المرشد الأعلى الحالي.